الزعيم ملك الغابه
عدد المساهمات : 158 نقاط : 379 تاريخ التسجيل : 17/07/2009 العمر : 32 الموقع : www.tarekabdelbasetfan.webs.com
| |
الزعيم ملك الغابه
عدد المساهمات : 158 نقاط : 379 تاريخ التسجيل : 17/07/2009 العمر : 32 الموقع : www.tarekabdelbasetfan.webs.com
| موضوع: رد: من أسرار الإعجاز اللغوي والبياني في سورة الكافرون الإثنين سبتمبر 21, 2009 5:41 pm | |
| ثالثًا- وقوله:﴿ لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ﴾ جواب للنداء، وهو نفي للحال، ويقابله قوله:﴿ وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ﴾. أي: لا أعبد الآن ما تعبدون، ولا أنتم تعبدون الآن ما أعبد أنا.
أما قوله:﴿ وَلا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ ﴾ فهو نفي للمستقبل، ويقابله قوله:﴿ وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ﴾. أي: ولا أعبد أنا في المستقبل، ما عبدتم أنتم في الماضي. ولا أنتم عابدون في المستقبل ما أعبد الآن، وفي المستقبل.
وعلى هذا فلا تكرار أصلاً في السورة، خلافًا لمن زعم أن هذا تكرار، الغرض منه التوكيد. وبهذا الذي ذكرت تكون الآيات الكريمة قد استوفت أقسام النفي عن عبادته صلى الله عليه وسلم، وعبادة الكافرين، في الماضي، والحاضر، والمستقبل، بأوجز لفظ، وأخصره، وأبينه.
ثم إن في تكرير الأفعال بلفظ الحال والمستقبل، حين أخبر صلى الله عليه وسلم عن نفسه، وتكريرها بلفظ الماضي، حين أخبر عنهم، سرٌّ بديع من أسرار البيان، وهو الإشارة والإيماء إلى عصمة الله تعالى له عن الزيغ، والانحراف عن عبادة معبوده، والاستبدال به غيره، وأن معبوده عليه الصلاة والسلام واحد في الحال، وفي المآل على الدوام، لا يرضى به بدلاً، ولا يبغي عنه حولاً، بخلاف الكافرين، فإنهم يعبدون أهواءهم، ويتبعون شهواتهم في الدين، وأغراضهم، فهم بصدَد أن يعبدوا اليوم معبودًا، وغدًا يعبدون غيره.
رابعًا- وقال:﴿ وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ﴾، فعبَّر عن معبوده بـ﴿ مَا ﴾ دون ﴿ مَنْ ﴾؛ لأن المراد التعبير عن معبوده عليه الصلاة والسلام على الإطلاق دون تخصيص؛ لأن امتناعهم عن عبادة الله تعالى ليس لذاته، بل كانوا يظنون أنهم كانوا يعبدون الله؛ ولكنهم كانوا جاهلين به؛ ولهذا ناسب إيقاع ﴿ مَا ﴾ عليه دون ﴿ مَنْ ﴾ لمَا في الأولى من دلالة على الإبهام، والوقوع على الجنس العام.
وهذا ما أجاب به الشيخ السهلي رحمه الله، ثم ذكر جوابًا آخر؛ وهو:” أنهم كانوا يشتهون مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حسدًا له، وأنفة من اتباعه، فهم لا يعبدون معبوده، لا كراهية لذات المعبود؛ ولكن كراهية لاتباعه صلى الله عليه وسلم، وشهوة منهم لمخالفته في العبادة، كائنًا ما كان معبوده، وإن لم يكن معبوده إلا الحق سبحانه وتعالى.. فعلى هذا لا يصح في النظم البديع، والمعنى الرفيع إلا ﴿ مَا ﴾، لإبهامها، ومطابقتها الغرض الذي تضمنته الآية “.
وأقرب من هذا وذاك- كما قال ابن قيِّم الجوزيَّة-:” هو أن المقصود هنا ذكر المعبود، الموصوف بكونه أهلاً للعبادة، مستحقًا لها، فأتى بـ﴿ مَا ﴾ الدالة على هذا المعنى؛ كأنه قيل: ولا أنتم عابدون معبودي، الموصوف بأنه المعبود الحق. ولو أتى بلفظ ﴿ مَنْ ﴾، لكانت إنما تدل على الذات فقط، ويكون ذكر الصلة تعريفًا، لا إنه جهة العبادة. ففرق بين أن يكون كونه تعالى أهلاً لأن يعبد تعريف محض، أو وصف مقتض لعبادته.. فتأمله، فإنه بديعٌ جدًّا “.
خامسًا- ومن يتأمل صيغ النفي في السورة الكريمة، يجد أن النفي لم يأت في حق الكافرين إلا بصيغة الفاعل:﴿ وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ ﴾. وأما في جهة النبي صلى الله عليه وسلم فقد جاء النفي بالفعل المضارع:﴿ لا أَعْبُدُ ﴾ تارة، وبصيغة الفاعل:﴿ وَلا أَنَا عَابِدٌ ﴾ تارة أخرى؛ وذلك- والله أعلم- لنكتة بديعة، وهي أن المقصود الأعظم من ذلك براءته صلى الله عليه وسلم، من معبوديهم بكل وجه، وفي كل وقت؛ ولهذا أتى في هذا النفي بصيغة الفعل الدالة على الحدوث والتجدد، ثم أتى بصيغة اسم الفاعل الدالة على الوصف والثبوت؛ فأفاد في النفي الأول أن تلك العبادة لا تقع منه أبدًا، وأفاد في النفي الثاني أن تلك العبادة ليست من وصفه، ولا من شأنه؛ فكأنه قال عليه الصلاة والسلام: عبادة غير الله تعالى لا تكون فعلاً لي، ولا وصفًا من أوصافي، فأتى بنفييْن لمنفيَّين مقصودين بالنفي.
وأما في حق الكافرين فإنما أتى بصيغة الفاعل الدالة على الوصف والثبوت دون الفعل؛ فأفاد ذلك أن الوصف الثابت اللازم، العائد لله تعالى، منتفٍ عن الكافرين؛ لأن هذا الوصف ليس ثابتًا لهم؛ وإنما هو ثابت لمن خصَّ الله تعالى وحده بالعبادة، ولم يشرك معه فيها أحدًا.
قال ابن قيِّم الجوزيَّة:” فتأمل هذه النكتة البديعة، كيف تجد في طيَّها أنه لا يوصف بأنه عابدٌ لله تعالى، وأنه عَبْدُهُ المستقيم على عبادته، إلا من انقطع إليه بكلِّيته، وتبتَّل إليه تبتيلاً، لم يلتفت إلى غيره، ولم يشرك به أحدًا في عبادته، وأنه، وإن عبده وأشرك به غيره، فليس بعابدٍ لله تعالى، ولا عَبْدًا له سبحانه. وهذا من أسرار هذه السورة العظيمة الجليلة، التي هي إحدى سورتيْ الإخلاص، والتي تعدل ربع القرآن، كما جاء في بعض السنن. وهذا لا يفهمه كل أحد، ولا يدركه إلا من منحه الله فهمًا من عنده.. فلله الحمد والمِنَّة “.
سادسًا- ومن أسرار هذه السورة، التي لا يكاد يُفطَن إليها أن النفي فيها أتى بأداة النفي { لا }، ولم يأت بالأداة { ما }، مع أن نفي الحاضر الدائم والمستمر بـ{ ما } أولى من نفيه بـ{ لا }، وأكثر منه استعمالاً. والسر في ذلك أن { ما } لا ينفى بها في الكلام إلا ما بعدها، وأنها لا تكون إلا جوابًا عن الدعوى. أما { لا } فينفى بها في أكثر الكلام ما قبلها، فيكون ما بعدها في حكم الوجوب، وأنها تكون جوابًا عن السؤال، وتكون ردًّا لكلام سبق. هذا من جهة.. ومن جهة أخرى فإن { لا }، إذا نفي بها المضارع، فإنها تدل على نفيه نفيًا شاملاً مستغرقًا لكل جزء من أجزاء الزمن، بدون قرينة تصحبها؛ كقوله تعالى:﴿ عَالِمِ الغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ ﴾(سبأ: 3). أما { ما } فلا تدل على نفي المضارع على سبيل الاستغراق والشمول إلا بوجود قرينة تصحبها، وهي{ من } الاستغراقية؛ كقوله تعالى:﴿ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ ﴾(يونس: 61).
وبهذا تكون هذه السورة العظيمة قد اشتملت على النفي المحض. وهذا هو خاصيَّتها؛ فإنها سورة براءةٍ من الشرك- كما جاء في وصفها- فالمقصود الأعظم منها هو البراءة المطلوبة بين الموحدين، والمشركين؛ ولهذا جيء بالنفي في الجانبين تحقيقًا للبراءة المطلوبة، مع أنها متضمنَّة للإثبات صريحًا، فقول النبي صلى الله عليه وسلم:﴿ لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ﴾ براءة محضة. وقوله:﴿ وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ﴾ إثبات أن له عليه الصلاة والسلام معبودًا، يعبده، وأنهم بريئون من عبادته، فتضمَّنت بذلك النفي، والإثبات، وطابقت قول إمام الحنفاء سيدنا إبراهيم عليه السلام:﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ ﴾(الزخرف: 26- 27)، وطابقت قول الفئة الموحِّدين:﴿ وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا ﴾(الكهف: 16)، فانتظمت بذلك حقيقة { لا إله إلا الله }.
ولهذا- كما قال ابن قيِّم الجوزيَّة- كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرن هذه السورة العظيمة بسورة ( قل هو الله أحد )، في سنة الفجر، وسنة المغرب؛ فإن هاتين السورتين ( سورتي الإخلاص ) قد اشتملتا على نوعَيْ التوحيد، الذي لا نجاة للعبد، ولا فلاح له إلا بهما:
النوع الأول: توحيد العلم والاعتقاد، المتضمِّن تنزيه الله تعالى عمَّا لا يليق به، من الشرك والكفر، والولد والوالد، وأنه إله أحد صمد، لم يلد فيكون له فرع، ولم يولد فيكون له أصل، ولم يكن له كفوًا أحد، فيكون له مِثْل. ومع هذا فقد اجتمعت له جل جلاله صفات الكمال كلها؛ فتضمنَّت السورة إثبات ما يليق بجلاله من صفات الكمال، ونفي ما لا يليق بجلاله من الشريك أصلاً وفرعًا، وشبهًا ومثلاً.. فهذا هو توحيد العلم والاعتقاد.
والنوع الثاني: توحيد القصد والإرادة؛ وهو أن لا يُعبدَ إلا إياه، فلا يُشرَك به في عبادته سواه، بل يكون وحده هو المعبود. وسورة ( الكافرون ) مشتملة على هذا النوع من نوعيْ التوحيد، فتضمنت بذلك السورتان نوعيْ التوحيد، وأخلصتا له.
سابعًا- ومن أسرار هذه السورة العظيمة ما تضمنه قوله تعالى في ختامها من التأكيد:﴿ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ﴾.
والسؤال هنا: هل أفاد هذا معنى زائدًا على ما تقدَّم ؟ والجواب: أن النفي في الآيات السابقة أفاد براءته صلى الله عليه وسلم من معبوديهم، وأنه لا يتصور منه، ولا ينبغي له أن يعبدهم، وهم أيضًا لا يكونون عابدين لمعبوده؛ كما أفاد إثبات ما تضمنه النفي من جهتهم من الشرك والكفر، الذي هو حظهم ونصيبهم، فجرى ذلك مجرى من اقتسم هو، وغيره أرضًا، فقال له: لا تدخل في حدِّي، ولا أدخل في حدِّك، لك أرضك، ولي أرضي. فتضمَّنت الآية أن هذه البراءة اقتضت أن المؤمنين، والكافرين اقتسموا حظهم فيما بينهم، فأصاب المؤمنين التوحيدُ والإيمان، فهو نصيبهم، الذي اختصوا به، لا يشركهم الكافرون فيه. وأصاب الكافرين الشركُ بالله تعالى والكفر به، فهو نصيبهم، الذي اختصوا به، لا يشركهم المؤمنون فيه.
ثم إن في تقديم حظ الكافرين ونصيبهم في هذه الآية على حظ المؤمنين ونصيبهم، وتقديم ما يختص به المؤمنون على ما يختص به الكافرون في أول السورة، من أسرار البيان، وبديع الخطاب ما لا يدركه إلا فرسان البلاغة وأربابها، وبيان ذلك:
أن السورة، لما اقتضت البراءة، واقتسام دينَيْ التوحيد، والشرك بين النبي صلى الله عليه وسلم، وبين الكافرين، ورضي كلٌّ بقسمه، وكان المحق هو صاحب القسمة، وعلم أنهم راضون بقسمهم الدون، وأنه استولى على القسم الأشرف، والحظ الأعظم، أراد أن يشعرهم بسوء اختيارهم، فقدم قسمهم على قسمه، تهكمًا بهم، ونداءً على سوء اختيارهم، فكان ذلك- كما يقول ابن قيِّم الجوزيَّة- بمنزلة من اقتسم هو، وغيره سُمًَّا، وشفاءً، فرضي مقاسمه بالسمِّ؛ فإنه يقول له: لا تشاركني في قسمي، ولا أشاركك في قسمك. لك قسمك، ولي قسمي !
ولهذا كان تقديم قوله تعالى:﴿ لَكُمْ دِينُكُمْ ﴾ على قوله:﴿ وَلِيَ دِينِ ﴾ هنا أبلغ وأحسن؛ وكأنه يقول: هذا هو قسمكم، الذي آثرتموه بالتقديم، وزعمتم أنه أشرف القسمين، وأحقهما بالتقديم !!
وذكر ابن قيِّم الجوزيَّة وجهًا آخر، وهو: أن مقصود السورة براءة النبي صلى الله عليه وسلم من دينهم، ومعبودهم- هذا هو لبُّها ومغزاها- وجاء ذكر براءتهم من دينه ومعبوده بالقصد الثاني مكمِّلاً لبراءته، ومحققًا لها. فلما كان المقصود براءته من دينهم، بدأ به في أول السورة، ثم جاء قوله تعالى:﴿ لَكُمْ دِينُكُمْ ﴾ مطابقًا لهذا المعنى. أي: لا أشارككم في دينكم، ولا أوافقكم عليه؛ بل هو دين تختصون به أنتم، فطابق آخر السورة أولها.
فتأمل هذه الأسرار البديعة المعجزة، واللطائف الدقيقة، التي تشهد أن القرآن الكريم تنزيل من حكيم حميد، وأنه الأعلى في الفصاحة، والبلاغة، والبيان ! | |
|